الإستدلال بالسنّة على المسح
كتاب موسوعة أحكام الطهارة - الدبيان - ط 2
الجزء10 الصفحة564
عن علي رضي الله عنه، قال: كنت
أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح ظاهرهما (مسند احمد-مسند الخلفاء-مسندعلي بن ابي طالب-رقم الحديث ٧٣٧ ( ج 1ص 95).
[رجاله ثقات]
مدار هذا الحديث على عبد خير، عن علي مرفوعاً، ورواه عن عبد خير ثلاثة: أبو إسحاق السبيعي، وأبو السوداء عمرو بن عمران النهدي، والسدي.
أما رواية أبي إسحاق السبيعي، فرواه عنه الأعمش، واختلف عليه:
فرواه وكيع، وعيسى بن يونس، عن الأعمش به، لا يختلفون في لفظه، ولا يذكرون المسح على الخفين، ولفظه: " كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، حتى رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهرهما ".
ورواه حفص بن غياث، عن الأعمش به، تارة بالمسح على القدمين، وتارة بالمسح على الخفين.
ورواه يزيد بن عبد العزيز، عن الأعمش، بذكر المسح على الخفين، ولم يختلف عليه فيه، ولذا اخترتها أن تكون في المتن.
وكان من الممكن أن يكون هذا الاختلاف من قبل الأعمش؛ فإن روايته عن أبي إسحاق فيها كلام، لكن جاء المسح على القدمين من غير طريق الأعمش، فرواه الثوري، عن أبي إسحاق به بلفظ: " لولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر القدمين لرأيت أن أسفلهما أو باطنهما أحق ".
كما رواه إبراهيم بن طهمان، عن أبي إسحاق بذكر المسح على القدمين، لا على الخفين.
فالثوري وإبراهيم بن طهمان، يرويانه عن أبي إسحاق بذكر المسح على ظاهر القدمين، لا يختلف عليهما فيه، ولم يتعرضا لذكر الخفين.
ورواه أبو نعيم عن يونس، عن أبي إسحاق، واختلف على أبي نعيم فيه:
فرواه شعيب بن أيوب، عن أبي نعيم، به بذكر المسح على القدمين، لا على الخفين.
ورواه أحمد، عن أبي نعيم به، فخالف من سبق، وانفرد عنهم بذكر النعلين، ولفظه )
وجه الاستدلال:
قوله في الحديث (يمسح على ظاهرهما) ظاهره أن يمسح على رجليه بدون خفين، وهذا دليل على أن فرض الرجل المسح.
ويجاب عن هذا الدليل بما يلي:
لقد تبين لك الاختلاف في متن هذا الحديث من خلال الكلام على تخريج الحديث، فإما أن يقال: إنه هذا الاختلاف يوجب الاضطراب في الحديث، والمضطرب ضعيف.
أو يحمل قول من قال بالمسح على ظاهر القدمين بالمسح عليه، وفيه الخف، وهذا أرجح، ولذلك جاء في بعضها الجمع بين المسح على ظاهر القدم، مع ذكر الخف مما يوحي بأن المراد بظاهر القدم هو ظاهر الخف،
= رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ، ومسح على النعلين، ثم قال: لولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كما رأيتموني فعلت، لرأيت أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما ".
هذا فيما يتعلق برواية أبي إسحاق، ولا يمكن أن يقال: إن هذا جاء من تغير أبي إسحاق، لأن من الرواة عنه سفيان الثوري، وهو من أصحابه القدماء.
أما رواية أبي السوادء، عن عبد خير، عن علي، فذكرت مسح القدم، لا مسح الخف، فخرج أبو إسحاق من عهدته بهذه المتابعة، إلا أنه ذكر غسل الظاهر، ولم يذكر مسح الظاهر، ومعلوم أنه لوكان الأمر يتعلق بالخف لذكر المسح؛ لأنه لم يقل أحد: إنه يغسل ظاهر الخف، إلا أن يحكم بشذوذ هذه اللفظة، وهو أقرب، قال: توضأ علي، فغسل ظاهر قدميه، وقال: لولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسل ظهور قدميه، لظننت أن بطونهما أحق. وسنده صحيح.
الرواية الاُولىٰ :
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي رضي الله عنه قال كنت أرى ان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهرهما
هذا نصّ في المسح عن علي عليه السلام أخرجه أحمد والطحاوي
(مسند أحمد ۱ / ۹٥)
وفي المكتبة الشاملة كتاب مسند أحمد - ط الرسالة
[أحمد بن حنبل]
ج: 2 ص:
139
مسند الخلفاء الراشدين مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وفي صفحة 114
حدثنا عبد الله ثنا إسحاق بن إسماعيل ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي رضي الله عنه قال كنت أرى ان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهرهما
ونقله عنه الطحاوي في
( شرح معاني الآثار ۲ / ۳۷۲).
الرواية الثانية :
عن علي عليه السلام قال : كان النبي يتوضّأ ثلاثاً ثلاثاً إلّا المسح مرّةً مرّة.
في المصنّف لابن أبي شيبة وعنه المتقي الهندي (كنز العمال ۹ / ٤٤٤).
الرواية الثالثة :
عن علي عليه السلام إنّه توضّأ ومسح رجليه ، في حديث مفصّل وقال : أين السائل عن وضوء رسول الله ؟ كذا كان وضوء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
هذا في مسند عبد بن حميد وعنه المتقي الهندي ( كنز العمال ۹ / ٤٤۸)
وهذا الخبر الأخير تجدونه بأسانيد أُخرىٰ عند ابن أبي
شيبة وأبي داود وغيرهما ، وعنهم المتقي (كنز العمال ۹ / ٤٤۸ ، ٦۰٥) ، وبسند آخر هذا الحديث الأخير في أحكام القرآن (أحكام القرآن للجصّاص ۱ / ۳٤۷).
فأميرالمؤمنين عليه السلام يروي المسح عن رسول الله ، وهم يروون خبره وأخباره في كتبهم المعتبرة بأسانيد عديدة.
الرواية الرابعة :
عن ابن عبّاس : أبى الناس إلّا الغسل ولا أجد في كتاب الله إلّا المسح.
رواه عبدالرزّاق الصنعاني وابن أبي شيبة وابن ماجة ، وعنهم الحافظ الجلال السيوطي (الدر المنثور ۲ / ۲٦۲).
الرواية الخامسة :
عن رفاعة بن رافع عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يغسل وجهه ويديه إلىٰ المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلىٰ الكعبين.
وهذا نصّ صريح أخرجه أبو داود في سننه (سنن أبي داود ۱ / ۸٦)
، والنسائي في سننه (سنن النسائي ۱ / ۱٦۱)
، وابن ماجه في سننه ( سنن ابن ماجة ۱ / ۱٥٦.) ،
والطحاوي (الطحاوي ۱ / ۳٥) ،
والحاكم (المستدرك ۱ / ۲٤۱) ، والبيهقي ، والسيوطي في الدر المنثور (الدر المنثور ۲ / ۲٦۲).
قال الحاكم : صحيح علىٰ شرط الشيخين.
قال الذهبي : صحيح.
وقال العيني : حسّنه أبو علي الطوسي وأبو عيسىٰ الترمذي وأبو بكر البزّار ، وصحّحه الحافظ ابن حبّان وابن حزم.
الرواية السادسة :
عن عبدالله بن عمر ، كان
إذا توضّأ عبدالله ونعلاه في قدميه ، مسح ظهور قدميه برجليه ويقول : كان رسول الله يصنع هكذا (شرح معاني الآثار ۱ / ۳٥).
الرواية السابعة :
عن عبّاد بن تميم عن عمّه : إنّ النبي توضّأ ومسح علىٰ القدمين ، وإنّ عروة بن الزبير كان يفعل ذلك.
هذا الحديث رواه كثيرون من أعلام القوم ، فلاحظوا في شرح معاني الآثار (۱٤) ، وفي الاستيعاب (۱٥) وصحّحه صاحب الاستيعاب.
وقال ابن حجر : روىٰ البخاري في تاريخه وأحمد وابن أبي شيبة وابن أبي عمرو والبغوي والباوردي
وغيرهم كلّهم من طريق أبي الأسود عن عبّاد بن تميم المازني عن أبيه قال : رأيت رسول الله يتوضّأ ويمسح الماء علىٰ رجليه.
قال ابن حجر : رجاله ثقات (۱٦).
وروىٰ هذا أيضاً ابن الأثير في أُسد الغابة عن ابن أبي عاصم وابن أبي شيبة (۱۷).
الرواية الثامنة :
عن عبدالله بن زيد المازني : إنّ النبي توضّأ ومسح بالماء علىٰ رجليه.
ابن أبي شيبة في المصنَّف وعنه في كنز العمّال (۱۸) ، وابن خزيمة في صحيحه وعنه العيني في عمدة القاري (۱۹).
الرواية التاسعة :
عن حمران مولىٰ عثمان بن عفّان قال :
رأيت عثمان بن عفّان دعا بماء ، فغسل كفّيه ثلاثاً ، ومضمض واستنشق وغسّل وجهه ثلاثاً وذراعيه ، ومسح برأسه وظهر قدميه.
رواه أحمد والبزّار وأبو يعلىٰ وصحّحه أبو يعلىٰ (۲۰).
الرواية العاشرة :
ابن جرير الطبري بسنده عن أنس بن مالك : وكان أنس إذا مسح قدميه بلّهما.
قال ابن كثير : إسناده صحيح (۲۱).
الرواية الحادية عشرة :
عن عمر بن الخطّاب.
أخرج ابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ عنه حديثاً في المسح ، ولاحظ عمدة القاري (۲۲).
الرواية الثانية عشرة :
عن جابر بن عبدالله الأنصاري كذلك.
أخرجها الطبراني في الأوسط وعنه العيني (۲۳).
وهناك أحاديث وآثار أُخرىٰ لا أُطيل عليكم بذكرها ، وإلّا فهي موجودة عندي وجاهزة.
ومن هنا نرىٰ أنّهم يعترفون بذهاب كثير من الصحابة والتابعين إلىٰ المسح.
لاحظوا أنّه اعترف بذلك
ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ، وابن العربي في أحكام القرآن ، وابن كثير في تفسيره ، هؤلاء كلّهم اعترفوا
بذهاب جماعة من الصحابة والتابعين والسلف إلىٰ المسح ، وفي بداية المجتهد لابن رشد : ذهب إليه قوم ، أيّ المسح.
وأمّا رأي محمّد بن جرير الطبري صاحب التاريخ والتفسير ، فقد نقلوا عنه
الردّ علىٰ القول بتعيّن الغسل ، وهذا القول عنه منقول في تفاسير : الرازي والبغوي والقرطبي وابن كثير والشوكاني في
ذيل آية الوضوء ، وكذا في أحكام القرآن ، وفي شرح المهذّب للنووي ، والمغني لابن قدامة أيضاً ، وفي غيرها من الكتب.
وإلىٰ الآن ظهر دليل القول بالمسح من الكتاب والسنّة ، علىٰ
أساس كتب السنّة ورواياتهم ، وظهر أنّ عدّة كثيرة من الصحابة والتابعين يقولون بتعيّن المسح ، ويروون هذا الحديث عن
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فإذا فشل القوم من إثبات مذهبهم ـ الغسل ـ عن الكتاب والسنّة ماذا يفعلون ؟
القرآن لا يمكنهم تكذيبه ، لكنَّ الروايات يكذّبونها :
في روح المعاني للآلوسي : إنّ هذه الروايات كذب ...!! وسأقرأ لكم نصّ عبارته في روح المعاني.
أمّا ابن حجر العسقلاني ، ففي فتح الباري
(۲٤) يقول : نعم ، الكتاب والسنّة يدلّان علىٰ المسح وإنّ كثيراً من الصحابة قالوا بالمسح ، لكنّهم عدلوا عن هذا الرأي.
ومن أين يقول عدلوا ؟ لا يوضّح هذا ولا يذكر شيئاً !!
ومنهم من يناقش في بعض
أسانيد هذه الأحاديث كي يتمكّن من ردّها ، وإلّا لخسر الكتاب والسنّة كليهما ، فهؤلاء مشوا علىٰ هذا الطريق ، وسأذكر بعضهم.
ومنهم الذين حرّفوا
هذه الأحاديث ، الأحاديث الدالّة علىٰ المسح ، وجعلوها دالّة علىٰ الغسل ، وهذه طريقة أُخرىٰ ، سجّلت بعضهم وبعض ما فعلوا.
فمثلاً في إحدىٰ الروايات عن علي عليه السلام ، الرواية التي قرأناها ، كانت تلك الرواية دالّة علىٰ المسح ، فجعلوها دالّة علىٰ الغسل ، يقول الراوي : إنّ عليّاً مسح رجليه ، فحُرّف إلى : غسل رجليه ، فارجعوا
إلىٰ كنز العمال (كنز العمال ۹ / ٤٤٤) وقارنوا بين هذا الخبر في هذه الصفحة وبين رواية أحمد (مسند أحمد ۱ / ۹٥) ، وأيضاً الطحاوي في معاني الآثار.
ومن ذلك أيضاً الحديث الذي قرأناه عن حمران مولىٰ عثمان ، فقد حرّفوه
وجعلوه دالّاً علىٰ الغسل ، فبدل ما يقول إنّه مسح علىٰ قدميه ، جعلوا اللفظ : غسل قدميه ، وهذا الحديث في مسند أحمد (مسند أحمد ۱ / ۹٥.
).
۹.
الطحاوي ۱ / ۳٥.
۱۰.
۱۱. المستدرك ۱ / ۲٤۱.
۱۲. الدر المنثور ۲ / ۲٦۲.
۱۳. شرح معاني الآثار ۱ / ۳٥.
۱٤. شرح معاني الآثار ۱ / ۳٥.
۱٥. الاستيعاب ۱ / ۱٥۹.
۱٦. الإصابة في معرفة الصحابة ۱ / ۱۸٥.
۱۷. أسد الغابة في معرفة الصحابة ۱ / ۲۱۷.
۱۸. كنز العمال ۹ / ٤٥۱.
۱۹. عمدة القاري في شرح البخاري ۲ / ۲٤۰.
۲۰. كنز العمال ۹ / ٤٤۲.
۲۱. تفسير ابن كثير ۲ / ۲٥.
۲۲. عمدة القاري في شرح البخاري ۲ / ۲٤۰.
۲۳. عمدة القاري في شرح البخاري ۲ / ۲٤۰.
۲٤. فتح الباري في شرح صحيح البخاري ۱ / ۲۱۳.